يحيى السنوار: صانع القرار الاستراتيجي لحركة حماس

Oct 19, 2025 by wbrum.org 16 views

يحيى السنوار: صانع القرار الاستراتيجي لحركة حماس

يحيى السنوار، الاسم الذي أصبح مرادفاً لحركة حماس في السنوات الأخيرة، ليس مجرد قائد سياسي آخر، بل هو المهندس الاستراتيجي الذي يقود سفينة الحركة في بحر السياسة المعقد والمشحون بالتوترات. لقد نحت السنوار لنفسه مكانة فريدة داخل حماس، مستفيداً من خبراته الطويلة، وتجاربه القاسية، وفهمه العميق للواقع الفلسطيني والإقليمي. لم تأتِ قيادته من فراغ، بل هي نتاج سنوات من العمل الدؤوب، والسجن، والنضال، والتفاوض، والتخطيط. إن فهم دور يحيى السنوار يتطلب الغوص في عمق مسيرته، وتحليل قراراته، وتقييم تأثيره على مسار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. لقد برز السنوار كشخصية محورية، قادرة على اتخاذ قرارات مصيرية، بل وغالباً ما تكون مثيرة للجدل، مما جعله لاعباً أساسياً لا يمكن تجاهله على الساحة الفلسطينية والإقليمية. إن قراءته للمشهد السياسي، وقدرته على استشراف المستقبل، وتكتيكاته التي غالباً ما تفاجئ الخصوم، كلها عوامل جعلت منه القوة الدافعة وراء العديد من التحركات الاستراتيجية لحماس. فمن هو يحيى السنوار حقاً؟ وما هي العوامل التي شكلت شخصيته القيادية؟ وكيف استطاع أن يفرض رؤيته ويحافظ على تماسك الحركة في ظل التحديات المتزايدة؟ هذه الأسئلة وغيرها تشكل مفتاح فهم هذا القيادي الذي يترك بصمة واضحة على مسار القضية الفلسطينية.

النشأة والتكوين: جذور القيادة المتأصلة

تعد نشأة يحيى السنوار وتجاربه المبكرة حجر الزاوية في فهم تكوينه القيادي والشخصي. ولد السنوار في مخيم خان يونس للاجئين بقطاع غزة عام 1962، وهو العام الذي شهد تصاعداً ملحوظاً في النشاط الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي. لم تكن نشأته في مخيم للاجئين مجرد خلفية جغرافية، بل كانت تجربة وجودية شكلت رؤيته للعالم وطبيعة الصراع. فاللاجئون، بما يحملونه من ذاكرة تهجير وقصة نكبة متجددة، يمتلكون فهماً عميقاً للخسارة والمعاناة، وهم غالباً ما يكونون الأكثر إصراراً على استعادة الحقوق. عاش السنوار طفولته وشبابه في ظل الاحتلال الإسرائيلي، وشهد عن كثب القمع، والاعتقالات، والحصار، وهي ممارسات غالباً ما تولد جيلاً من المقاومين. لقد تأثر بشكل مباشر بالقمع الإسرائيلي، مما دفع به إلى الانخراط مبكراً في العمل النضالي. انضم إلى صفوف حركة حماس فور تأسيسها عام 1987، ليصبح أحد أعمدتها البارزين في قطاع غزة. لم يكتفِ السنوار بالانخراط السياسي، بل انخرط في العمل الميداني، حيث لعب دوراً بارزاً في تأسيس الجهاز العسكري لحركة حماس، كتائب القسام. هذا الانخراط المباشر في العمل العسكري، إلى جانب العمل السياسي، منحه فهماً شاملاً للواقع الميداني ولحساسيات الشارع الفلسطيني. لقد قضى السنوار سنوات طويلة في سجون الاحتلال الإسرائيلي، ما مجموعه أكثر من 20 عاماً، موزعة على فترات اعتقال متعددة. هذه الفترة الطويلة في السجن لم تكن مجرد عقاب، بل كانت مدرسة قاسية صقلت شخصيته، وعززت من صلابته، وزودته بخبرات قيمة في فهم طريقة تفكير العدو، وفي نسج العلاقات والشبكات داخل الحركة وخارجها. خلال فترة اعتقاله، أصبح السنوار شخصية مؤثرة داخل السجون، حيث لعب دوراً في تنظيم الأسرى، وفي التفاوض على صفقات تبادل الأسرى، مثل صفقة وفاء الأحرار التي أدت إلى الإفراج عن مئات الأسرى الفلسطينيين مقابل جندي إسرائيلي. هذه التجارب، من العمل الميداني إلى السجن، ومن التفاوض إلى القيادة، شكلت شخصية يحيى السنوار الاستثنائية، وجعلته القائد الذي لا يعرف الكلل، والذي يمتلك رؤية استراتيجية واضحة، وقدرة على التحمل والصبر، وفهماً دقيقاً لتعقيدات الصراع. لقد أثبت السنوار، عبر مسيرته الطويلة، أنه شخصية لا تخشى التحديات، بل تتجاوزها، وأنها تملك القدرة على التكيف وإعادة تشكيل الواقع بما يخدم أهداف حركته. إن قصة صعوده من مخيم لاجئين إلى قيادة حركة مسلحة كبرى هي شهادة على قوة الإرادة، وعلى الأثر العميق للتجارب القاسية في تشكيل القيادات التاريخية، وعلى قدرة الأفراد على تغيير مسارات التاريخ.

من الظل إلى الضوء: صعود يحيى السنوار إلى قيادة حماس

لم تكن رحلة صعود يحيى السنوار إلى قيادة حركة حماس بالأمر اليسير، بل كانت مساراً مدروساً، مليئاً بالتحولات الاستراتيجية والتحديات الداخلية والخارجية. لقد انتقل السنوار من كونه شخصية مؤثرة في الأوساط التنظيمية والعسكرية، غالباً ما تعمل في الظل، إلى واجهة الحركة السياسية، ليصبح الرئيس الأعلى لمكتبها السياسي في قطاع غزة. هذا التحول لم يكن وليد صدفة، بل جاء نتيجة لعوامل متعددة، أبرزها قدرته القيادية الفائقة، وشبكة علاقاته الواسعة، وثقة أركان الحركة به. بدأت مسيرة السنوار القيادية تتجسد بشكل ملموس بعد خروجه من سجون الاحتلال في صفقة شاليط عام 2011. عاد السنوار إلى غزة ليس كقائد سابق، بل كقائد لديه رؤية جديدة، وخبرة مكثفة، وطموح لا يلين. استطاع خلال فترة وجيزة، أن يعزز من نفوذه داخل الحركة، وأن يتجاوز القيادات التاريخية التي قد تكون تقليدية في رؤيتها. ركز السنوار على تحديث أساليب حماس، وإعادة هيكلة أذرعها المختلفة، وتعزيز قدراتها العسكرية والسياسية. لقد أدرك السنوار أن الاستمرار في النهج القديم لن يحقق الأهداف المرجوة، وأن هناك حاجة ماسة إلى التكيف مع المتغيرات الإقليمية والدولية. وبفضل هذه الرؤية، استطاع أن يحظى بدعم واسع من الأجيال الشابة داخل الحركة، ومن الكوادر التي تبحث عن قيادة قادرة على إحداث تغيير حقيقي. في عام 2017، انتخب يحيى السنوار رئيساً للمكتب السياسي لحركة حماس في قطاع غزة، وهو المنصب الذي يعد الأعلى نفوذاً داخل الحركة. هذا الانتخاب لم يكن مجرد تصويت، بل كان تفويضاً واضحاً لمنحه قيادة جديدة، ورؤية مبتكرة. لقد استطاع السنوار، منذ توليه هذا المنصب، أن يفرض أسلوبه الخاص في القيادة، الذي يجمع بين المرونة الاستراتيجية والحزم الميداني. تميزت فترة قيادته بتكثيف العمل العسكري، وزيادة القدرات الصاروخية، وتطوير تكتيكات المقاومة، إلى جانب محاولات تجاوز العزلة السياسية التي عانت منها الحركة. لقد لعب دوراً محورياً في إدارة الصراعات مع إسرائيل، وفي تحديد سقف المطالب الفلسطينية، وفي نسج التحالفات الإقليمية. كما اتسمت قيادته بـ التواصل المباشر مع الشارع الفلسطيني، وفهم نبض الشارع، والاستجابة لمطالبه. إن صعود السنوار لم يأتِ ليحل محل القيادات السابقة، بل ليضيف بعداً جديداً، وبصمة مميزة، استطاع من خلالها أن يعيد تعريف دور حماس في المشهد الفلسطيني، وأن يجعل منها قوة لا يمكن الاستهانة بها، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي. لقد برهن السنوار على أنه قائد قادر على حشد الطاقات، وعلى اتخاذ القرارات الصعبة، وعلى توجيه الحركة نحو أهدافها، حتى في أصعب الظروف. إن هذا الصعود من الظل إلى الضوء، ومن العمل الميداني إلى القيادة السياسية العليا، هو شهادة على ديناميكية حركة حماس، وعلى قدرتها على تجديد قياداتها، وعلى استجابتها للتحديات التاريخية.

الاستراتيجيات والرؤى: بصمة يحيى السنوار على مسار حماس

لقد تركت استراتيجيات يحيى السنوار وبصمته رؤاه بصمة واضحة على مسار حركة حماس، محدداً مساراتها السياسية والعسكرية، ومؤثراً بشكل كبير في طبيعة الصراع مع إسرائيل. يتسم نهج السنوار بالجمع بين الواقعية السياسية والحزم الأيديولوجي، مما جعله قائداً قادراً على المناورة والتكيف، مع الحفاظ على ثوابت الحركة الأساسية. إحدى أهم الاستراتيجيات التي تبناها السنوار هي تطوير القدرات العسكرية لحركة حماس، لا سيما في مجال الصواريخ والطائرات المسيرة. لقد أدرك السنوار مبكراً أن القوة العسكرية هي ورقة ضغط أساسية في مواجهة إسرائيل، وأن تطوير هذه القدرات يمكن أن يغير موازين القوى، ويرفع سقف المطالب التفاوضية. تحت قيادته، شهدت كتائب القسام تطوراً ملحوظاً في قدراتها، مما مكنها من شن هجمات مؤثرة، وأجبر إسرائيل على إعادة تقييم حساباتها. ولم يقتصر اهتمام السنوار على الجانب العسكري، بل امتد ليشمل تجاوز العزلة السياسية التي عانت منها حماس. لقد سعى السنوار إلى تحسين علاقات الحركة مع القوى الإقليمية، وخاصة قطر ومصر وتركيا، بهدف بناء تحالفات داعمة، وتوفير غطاء سياسي وإنساني للحركة. كما عمل على تعزيز دور حماس في الساحة الفلسطينية الداخلية، من خلال محاولة التوصل إلى مصالحة وطنية مع حركة فتح، وهو أمر وإن لم يتحقق بالكامل، إلا أنه يعكس رؤية السنوار لأهمية الوحدة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال. في مجال التفاوض، أظهر السنوار براعة في إدارة الأزمات، وفي تحديد سقف المطالب. لقد كان قائداً صبوراً في التفاوض، لكنه حازم في نفس الوقت، ولم يتردد في استخدام القوة العسكرية كأداة ضغط لتحقيق المكاسب. لقد لعب دوراً محورياً في صفقة تبادل الأسرى، وفي المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل، مما أظهر قدرته على التعامل مع ملف الأسرى كقضية استراتيجية. من الناحية الأيديولوجية، لم يتخل السنوار عن مبادئ حماس الأساسية، مثل رفض الاعتراف بإسرائيل، والتمسك بحق العودة، والدفاع عن القدس والمقدسات. ومع ذلك، فقد أظهر مرونة في طريقة تطبيق هذه المبادئ، وقدرة على التفاوض بشأن آليات تحقيقها. لقد قدم السنوار رؤية لحماس كحركة مقاومة سياسية وعسكرية، قادرة على التكيف مع المتغيرات، وفي نفس الوقت، تحافظ على جذورها الأيديولوجية. لقد أثبت يحيى السنوار، من خلال استراتيجياته ورؤاه، أنه قائد قادر على التفكير الاستراتيجي بعيد المدى، وعلى اتخاذ قرارات جريئة، وعلى توجيه حركة حماس نحو أهدافها، مما يجعله شخصية محورية في مسار القضية الفلسطينية، ولاعباً أساسياً لا يمكن تجاهله على الساحة الإقليمية والدولية. إن بصمته على مسار حماس لا تزال قيد التشكيل، ولكن المؤكد أنها ستظل محفورة في سجلات التاريخ المعاصر للمنطقة.

التحديات المستقبلية ودور يحيى السنوار

يواجه يحيى السنوار، بصفته القائد الأعلى لحركة حماس، مجموعة من التحديات المستقبلية المعقدة والمتشابكة، والتي تتطلب منه قدرة فائقة على المناورة، ورؤية استراتيجية ثاقبة، وحكمة بالغة في اتخاذ القرارات. إن أبرز هذه التحديات يتمثل في استدامة المقاومة في ظل الحصار الاقتصادي والسياسي الخانق الذي تتعرض له حركة حماس وقطاع غزة. يجب على السنوار أن يجد حلولاً مبتكرة لضمان استمرار قدرات الحركة العسكرية واللوجستية، مع الحفاظ على تماسكها الداخلي وعدم الانهيار أمام الضغوط. ثانياً، ملف المصالحة الفلسطينية يبقى تحدياً كبيراً. إن انقسام الصف الفلسطيني يضعف القضية برمتها، ويقلل من قدرتها على مواجهة الاحتلال. يتطلب من السنوار دفع عجلة المصالحة، والتغلب على العقبات التي تحول دون تحقيق وحدة وطنية حقيقية، وذلك من خلال تقديم تنازلات مدروسة، وفتح قنوات حوار بناءة مع جميع الفصائل الفلسطينية. ثالثاً، العلاقات مع إسرائيل تبقى محط أنظار العالم. لقد أثبت السنوار قدرته على إدارة الصراع، وإحداث توازن رعب، ولكنه يواجه مستقبلاً يتطلب منه البحث عن آليات جديدة لإنهاء الحصار، وتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني. قد يتضمن ذلك مفاوضات مكثفة، أو استراتيجيات جديدة للمقاومة، أو حتى تحالفات دولية. رابعاً، العلاقات مع القوى الإقليمية والدولية تشكل عنصراً حيوياً في استراتيجيات السنوار. مع تغير موازين القوى الإقليمية، ومع ظهور تحديات جيوسياسية جديدة، سيحتاج السنوار إلى إعادة تقييم علاقاته، وتوسيع شبكة داعميه، وتجنب الوقوع في فخ العزلة. خامساً، التنمية الاقتصادية والاجتماعية في غزة تبقى قضية ملحة. لم يعد بالإمكان الاعتماد على الصراع وحده. يجب على السنوار أن يبحث عن سبل لتحسين الظروف المعيشية للسكان، وتوفير فرص العمل، وإعادة بناء البنية التحتية المدمرة، وذلك بالتوازي مع الحفاظ على المقاومة. إن دور يحيى السنوار في المستقبل سيكون حاسماً في تحديد مسار حركة حماس، وفي تشكيل مستقبل القضية الفلسطينية. سيتطلب منه ذلك ذكاءً استراتيجياً عالياً، وقدرة على التكيف مع المتغيرات، وشجاعة في اتخاذ القرارات، مع الحفاظ على ثوابت الحركة ومبادئها. إن التحديات كبيرة، ولكن التاريخ يشهد على قدرة القيادات الاستثنائية على تجاوز الصعاب، وعلى نحت مسارات جديدة نحو تحقيق الأهداف. ستظل الأنظار متجهة نحو يحيى السنوار، لقياس قدرته على قيادة حماس في خضم هذه التحديات، وعلى رسم معالم مستقبل الصراع في المنطقة.